رحلة الأربعين المقدسة هذه الرحلة التي تحمل أسمى معاني الإنسانية من تضحية و وفاء وثبات على العقيدة حيث تلتقي الجموع المباركة على طريق العاشقين في كل عام من كل انحاء الدنيا يجمعها حب واحد و غاية واحدة وترافقها اللهفة ذاتها التي لا تخبو ابداً بل تتجدد و تزداد شوقاً لاطهر بقعة في الأرض حيث تسكن النفس الزكية التي ترتقي بنفوس زوارها نحو جنة الخلد.
من بيروت إلى النجف – المقاومة والصمود
غادرت لندن في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، وتوقفت في لبنان قبل رحلتي إلى العراق منحني الله فرصة لزيارة الشهداء الذين يجسدون كل معاني: الشجاعة والوفاء وقفت بصمت عند قبورهم أتذكر القصص والدروس التي تعلمتها، واعترفت في النهاية بمدى ضآلتنا مقارنة بهؤلاء الأفراد.
عند مغادرتي ذكّرت نفسي بأن محطتي التالية كانت أرض أمير المؤمنين (عليه السلام) – أرض الصمود وأرض المقاومة. وعندما رأت عيني قبة الإمام علي (عليه السلام) أحسست بانه لقد كان مقدرًا لي أن أكون هنا، في هذه اللحظة بالذات، لتجديد ولائي إلى جانب الملايين من المؤمنين شعرت شخصياً بخليط من المشاعر، فأنت تقف أمام أحب الناس إلى النبي (ص)، انه شعور حلو ومر في ذات الوقت، ولكن في النهاية، يطغى الحزن على أي عاطفة أخرى.
من النجف إلى كربلاء – الثورة والنصر
في الخامس من نوفمبر 2017، بعد الفجر مباشرة، بدأنا رحلتنا. الدافع الذي تشعر به في بداية مسيرتك يبقى معك حتى النهاية، ترى أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم 3 سنوات يمشون على نفس الطريق، وترى رجالًا ونساءً معاقين على نفس الطريق، وترى ضعاف البصر على نفس الطريق، أثناء سيرك، يتم الترحيب بك من قبل الغرباء، ويقومون بخدمتك دون التفكير مرتين. يقدمون لك الطعام والشاي والماء، و يقدمون لك كافة الخدمات فأنت تشهد على الإيثار والحب الذي لا مثيل له. وتبدأ في التساؤل عما يمكنك فعله من أجلهم مقابل هذا الحب الذي يقدمونه لك.
الجانب الجميل الآخر للمسيرة هو أن ملايين المؤمنين من جميع أنحاء العالم يجتمعون معًا لغرض واحد. ترى الإخوة والأخوات من أوروبا وإفريقيا وآسيا وأستراليا جميعهم يسيرون معًا تحت راية امامنا (عليه السلام) رسالة كربلاء هي بالفعل عالمية، وهناك خيام تعرض عروض الشهداء طوال المسيرة، وتتعرف على تراث العديد من الشخصيات، و القاسم المشترك بين كل هذه الشخصيات هو تضحيتهم بكل ذرة في جسدهم لتمييز الحق من الباطل وللجهاد الجسدي والفكري في سبيل الله. و هكذا يتم تذكيرك بما يعنيه أن تكون مخلصًا للقضية.
الوصول إلى كربلاء – جنة الأرض
بدأت المشي في الخامس ودخلت كربلاء ليلة السادس، لأكون صادقًا جدًا، بعد المشي لمدة يومين أو ثلاثة أيام، تشعر بالتعب، ولكن عندما تطأ قدماك تراب الإمام (ع) يبدو الأمر كما لو أن ذلك التعب يتلاشى. و عندما رأيت أخيراً المآذن الذهبية الشامخة، شعرت كما لو أنه تم اختياري بشكل انتقائي للسير إلى سماء الله على هذا الكوكب. لقد كانت هذه أفضل تجربة في حياتي، الرحلة في الأربعين هي التي تنقلك من الغفلة الى اليقظة.
و لزيارة الأربعين بصمات جلية في تاريخ التشيع، لأنها لم تكن هامشية، و طارئة، تظهر حيناً و تختفي حيناً أخر، فهي حدث خالد بخلود واقعة كربلاء.