Interactive Image Left Link 1 Left Link 2 Right Link

زيارة الاربعين..نبوءة العقيلة يأبى الله لها ان تندثر

نشر في 2024-10-24 02:34:54
زيارة الاربعين..نبوءة العقيلة يأبى الله لها ان تندثر

منذ ان عاد الامام زين العابدين ( عليه السلام) من الشام الى كربلاء والتقى بجابر الانصاري في اول زيارة في أول أربعينية استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام)(١) ،تنبهت السلطات الجائرة للرمزية التي ستكون لمرقد الامام الحسين والروح الثورية والاصلاحية الرافضة للضلم والجور التي تتشكل في نفوس الناس عند زيارة الحسين وحاولت بشتى الطرق من منع الزيارة ومطاردة الزائرين وهدم قبر الامام الحسين وغيرها من الاساليب ، ورغم ذلك كل تلك الممارسات الجائرة شكلت عاملا إضافيا في تعميق الشعور الجمعي لدى أتباع أهل البيت بصدق قضيتهم وعمق ظلامتهم وفي نفس الوقت كانت تسهم في تجذير المودة والولاء لهم والإصرار على التمسك بهم وبنهجهم والتشبث بكل ما يرمز إليهم. 

وهنا في هذا المقال نستعرض ابرز المحطات التاريخية في محاولات وأد الزيارة الاربعينية وجعلها طي النسيان

زيارة اربعين الامام الحسين في العصر الاموي   

لم تمصر كربلاء كثيراً في العهد الأموي وعلى الرغم مما كان في نفوس الهاشميين وشيعتهم من لهفة ورغبة في العيش جوار قبر الإمام  الحسين (عليه السلام) فإنهم لم يتمكنوا من بناء الدور والبدء بالعمران فيها خوفاً من بطش وتنكيل بني أمية فقد أنتشرت في العهد الأموي المسالح ( مخافر الشرطة) حول كربلاء لمنع الزوار من زيارة مشهد  الإمام الحسين (عليه السلام) فواجهت الزيارة الاربعينية في هذا العصر  اشد المعارضة في منعها من قبل سلاطين الحكومة الاموية  لما يحمله هذا العصر من التطبع السلبي، فمن ميزات هذا العهد المظلل ان إعلامه تبنى تشويه قضية الامام الحسين (عليه السلام) و اعتباره مارق عن الدين و خارج عن حكم الذي يعتقدون به خليفة و يعتبرون كل من خرج عن امر خليفتهم فهو مستحق القتل، ومنشأ هذا الاندفاع هو كون شهادة الامام الحسين (عليه السلام) وقعت في عصرهم الدامي ولذا كانت وسائل التعتيم و محاربة اتباع اهل البيت عليهم السلام من ضروريات بقاء دولتهم الظالمة، و كان الشيعة يتحملون عبء كبير في مواجهة الطغاة و تحملهم القتل و القمع بكل انواعه، ولذا فان احياء الشعائر الحسينية في ذلك الزمن كان من الصعب على اتباع اهل البيت عليهم السلام و بالذات شعيرة زيارة الامام الحسين (عليه السلام) يوم الاربعين لان محيها يتعرض الى المضايقات تصل الى أعلى درجات التعذيب و التفنن بالقتل، حيث استخدمت الحكومة الاموية تلك الضغوط لما رأته من الخطورة في ممارسة الشيعة للشعائر الحسينية و بالذات الزيارة الاربعينية ولذلك حاولت ابادتهم و منع اقامة المآتم الحسينية ومحاربتها، وكان الشيعة صامدين في تلك الآونة حيث استلهموا قواهم من ثورة الامام الحسين (صلوات الله عليه ) التي اعتبروها حركة توعية و تنبيه للعقول لما تحمله قضية الامام الحسين من المبادئ السامية.

زيارة الاربعين في العهد العباسي
وفي أوائل حكم العباسيين حدثت فترة تنفس قصيرة الشيعة فأخذ الناس يتقاطرون على كربلاء ليتخذوا فيها سكناً. وأخذت هذه المنطقة بالتقدم والعمران وأصحبت مأهولة بالسكان وفسح لهم المجال نوعاً ما لزيارة المرقد الشريف بكربلاء وإقامة المناحات حوله ، وإظهار حزنهم في عاشوراء والاربعين وإعادة الذكريات الأليمة لمعركة كربلاء ولكنها كانت فترة قصيرة حيث كان الحكم العباسي في مكافحته للنهضة الحسينية وزيارة الامام في عاشوراء والاربعين أعظم بكثير من مقاومة الحكم الأموي وقد جرى من الحكم العباسي على المرقد الشريف في كربلاء وزائريه والوافدين عليه ما لم يجره الأمويون أيام سلطانهم لأن العباسيين الذين لم يتسن لهم قتل الامام الحسين والتمثيل به عمدوا الى النيل من قبره المقدس ومثواه الشريف والموالين له ، فأمعنوا في القبر تخريباً وإهانة ، وكان من بين الذين يمكن أن نجعلهم في مقدمة الخلفاء العباسيين في ذلك هو أبو جعفر المنصور الدوانيقي الذي كان أول ما أمر به هو هدم قبر الامام الحسين ( عليه السلام ) ومنع الزوار من زيارته وإقامة مأتم الرثاء(٢) اما هارون الرشيد أمر بهدم القبر المطهر بعد اعادة بنائه في زمن الخليفة المهدي ، وكرب موضعه ، وقص شجرة السدرة التي كانت بجوار القبر من جذورها ومنع إقامة المآتم والمناحات ، سواء على القبر ، أو في دور ومجتمعات الشيعة ومجالس العزاء(٣). وبقيت الحال على هذه الوتيرة بين تنكيل ومطاردة الزائرين وهدم المرقد وبين التساهل مع شيعة اهل البيت حسب الظروف والمصالح السياسية الي تقتضيها مصلحة العباسيين حتى نهاية حكمهم على يد المغول سنة ١٢٥٨ للميلاد.


زيارة الاربعين منذ الاحتلال المغولي وحتى يومنا هذا

تعتبر فترة احتلال المغول وما رافقها من اوضاع سياسية مضطربة فترة تنفس للشيعة وانتهاء المضايقات والمنع فلم يعبئ اي سلطان مغولي بمنع زيارة الحسين بل بالعكس قد تشيع بعض سلاطين المغول مثل السلطان المغولي خدابنده(٤) ، وبدأت الزيارات لمشهد الامام الحسين تتوالى في كل عام في العشرين من صفر، حتى جاء الاحتلال العثماني للعراق الذي بدأت مرحلة جديدة من الشد والجذب كحال العباسيين لكن اقل شدة وشهدت في هذه الفترة تكرر الهجمات الوهابية من قبائل نجد والحجاز على كربلاء وهدم قبة وضريح الامام الحسين (عليه السلام)وتصدي العشائر العراقية لمعظم الهجمات المتلاحقة(٥) ،ثم بداية تأسيس الدولة العراقية في العهد الملكي التي شهدت منع اقامة بعض الشعائر الحسينية ومنها زيارة الاربعينية سيرا على الاقدام وحتى مجيء حزب البعث البائد الذي لا يختلف تماما عن العهدين الاموي والعباسي في محاربته للحسين كرمز للثورة ورفض الظلم والجور ومنع الزوار بكل الطرق الوحشية مثل انتفاضة صفر ١٩٧٧ حين حاول النظام البعثي منع الزوار من اداء زيارة الاربعين سيرا على الاقدام على طريق النجف كربلاء وادى ذلك الى حملات قمع وحشية واعتقالات واعدامات ثم مروراً بالهجمات الارهابية من التنظيمات المتطرفة كالقاعدة وخليفتها داعش على زوار الاربعينية القاصدين كربلاءسيراً على الاقدام ، فمنذ عام ٦١ للهجرة وحتى وقت قريب كثرت محاولات منع زائري اربعينية الامام الحسين بكل الطرق من السجن والقتل والتنكيل والتعذيب والتفجير ولكنها في جميع الأحوال كان تزداد تمكناً في نفوس محبي اهل البيت واستقراراً في القلوب وكانت تعمق الشعور بصدق قضيتهم والرمزية العظيمة للزيارة الاربعينية فتحققت نبوءة السيدة زينب ( عليها السلام) فكد كيدك واسعى سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحي ذكرنا.  

 زين العابدين العبيدي

المصادر
١-مقاتل الطالبيين،ابو الفرج الأصفهاني، ص٢٠٣
٢-اعيان الشيعة،السيد الامين،ج٢، ص٤٥٩
٣-تاريخ الشيعة،المضفري، ص٨٩
٤- موقف المغول الأليلخانيين من المذاهب والأديان، د.نرجس أسعد كدرو،رسالة ماجستير في التاريخ الاسلامي، جامعة عين شمس -كلية الاداب، 2009، ص٢٠٣
٥-تاريخ الوهابيين صبري ايوب، ص١٠٦