الحج او زيارة المقدسات سيراً على الاقدام لها جذور في التاريخ البشري روي ان نبي الله ادم ذهب لزيارة بيت الله الف سنة سيراً على الاقدام فعن عن النبي الكريم ( صلى الله عليه واله وسلم) انه قال: ان ادم عليه السلام اتى الف أتية لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه(١) ولم تقتصر على دين او ثقافة او شعب معين كما نقل التأريخ ان قيصر روما عاهد الله ان في كل انتصار في معركة من معاركه مع الامبراطورية الفارسية سيزور القدس سيراً على الاقدام من مقر حكومته القسطنطينية امتناناً لهذا النصر واوفى بنذره وحج سيراً الى القدس، وغيرها من الامثلة الكثيرة في تبيان ان الحج او زيارة المقدسات سيراً لها جذور عميقة التأريخ الانساني وإن كلمة (الأربعين) تُعتبر من المصطلحات المستعملة كثيراً في المتون الدينية سواء الروائية منها أو التاريخية، وقد حدد وعين كثير من الأمور بهذا العدد الخاص. مثلاً: كمال العقل في الأربعين من العمر، آثار الإخلاص لأربعين يوماً، آثار حفظ أربعين حديثاً، دعاء أربعين شخصاً مجتمعين، الدعاء لأربعين مؤمناً، قراءة دعاء العهد أربعين صباحاً، عدم قبول صلاة شارب الخمر إلى أربعين يوم
ليوم الأربعين بعد الوفاة اهمية من قبل اهل الفقيد حيث يقومون بإسداء البِر اليه وعد مزاياه في عقد مجلس تأبيني تخليدا لذكراه والاعتناء بهذه المناسبة عادة عربية ـ اسلامية ترتبط بأهمية العدد (اربعين) وقدسيته، ولم تقتصر هذه المناسبة على الاسلام، فهي عادة قديمة كانت تقام في الديانات الاخرى كالنصرانية واليهودية والحضارات القديمة كالسومرية والبابلية. فالحِداد على الميت اربعين يوما طريقة مألوفة وعادة متوارثة بين الناس وفي اليوم الاربعين من وفاته يقام على قبره تابين يحضره اقاربه وخاصته واصدقاؤه فالنصارى يقيمون حفلة تأبينيه على الميت بعد اربعين يوما من وفاة فقيدهم، يجتمعون في الكنيسة ويعيدون الصلاة عليه المسماة عندهم بصلاة الجنازة، ويفعلون ذلك في نصف السنة وعند تمامها اعادة لذكراه وتنويهاً به وبآثاره واعماله وقد اعتنى الاسلام بهذه العادة فقد رويت أحاديث شريفة في قدسية العدد اربعين فروي عن رسول الله (ص) انه قال : ان الارض لتبكي على المؤمن اربعين صباحا(٢)
الزيارة الاربعينية كذلك سميت بهذا الاسم بطبيعة الحال لأنها تمثل مرور اربعين يوما على استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام) وهو كذلك اليوم نفسه الذي ورد فيه جابر بن عبدالله الانصاري من المدينة الى كربلاء والذي وافق رجوع السبايا من الشام لكربلاء والتقى الامام زين العابدين (عليه السلام) بجابر الانصاري وهواليوم الذي ردت به رؤوس اهل البيت واصحابهم الى ابدانهم (٣) وهو ذلك اليوم الذي بدأ فيه رفع علم رسالة شهادة كربلاء عالياً ويوم تخليد ذكرى ورثة الشهداء(٤) ، ووردت روايات كثيرة عن الائمة المعصومين في خصوصية يوم الاربعين وفضل زيارة الامام الحسين ( عليه السلام) في ذلك اليوم، عن الامام جعفر الصادق انه قال : ان السماء بكت على الحسين اربعين صباحا بالدم والارض بكت عليه اربعين صباحا بالسواد والشمس بكت عليه اربعين صباحا بالكسوف والحمرة وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى اتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبره بعده (٤) ووردت روايات كثيرة عن فضل زيارة الاربعين منه ماروي عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) انه قال : علامات المؤمن خمس صلاة احدى وخمسين وزيارة الاربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر بأسم الله الرحمن الرحيم (٥).
اما الزيارة المشهورة في يوم الاربعين رويت على روايتين الراوية الاولى رواها صفوان الجمال عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قال : قال لي مولاي الصادق تزور الحسين عند ارتفاع النهار وتقول... ثم تلا الزيارة (٦
اما الرواية الثانية فقد رويت عن عطا عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: كنت مع جابر يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصاً كان معه طاهراً ثم قال لي : أمعك من الطيب يا عطا ، قلت : سُعد، فجعل منه على رأسه وسائر جسده ثم مشى حافيا حتى وقف عند رأس الحسين وكبر ثلاثاً ثم خر مغشياً عليه فلما افاق سمعته يقول.... ثم تلا الزيارة وهي الزيارة المشهورة في كتاب مفاتيح الجنان للشيخ القمي. ومنذ لقاء الامام زين العابدين ( عليه السلام) بجابر الانصاري في اول اربعين كربلاء وهو العشرين من صفر أصبح هذا التاريخ مشهودا نتوافد فيه الملايين من الزائرين داخل العراق وخارجه لزيارة الامام الحسين (عليه السلام) واقامة الشعائر وتجديد هذه الذكرى المؤلمة واقامة المواكب العزاء والخدمة على طوال الطريق الى كربلاء في تقديم الخدمات والضيافة والاستماع للخطب والقصائد التي تقام بهذه المناسبة والتي تعبر عن اعتزازهم بتضحيات الامام الحسين واخيه العباس ( عليهم السلام) من اجل الاسلام وحبهم وتفانيهم في خدمة الزائرين.
زين العابدين العبيدي
المصادر
(١) سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، ج١ ، ص٢٠٩
(٢) بحار الانوار، المجلسي ،ج 2 ، ص 67٩
(٣) للهوف في قتلى الطفوف السيد علي بن طاووس، ص٨٦
(٤) الاثار الباقية في القرون الخالية، البيروني، ص٤٢٢
(٥) مستدرك الوسائل، النوري، ص٢١٥ باب ٩٤
(٦) مصباح الزائر،السيد علي بن طاووس، ص١٥١
(٧) تهذيب الاحكام، الطوسي ج٦، ص١١٣