في زيارة أربعينية سيد الشهداء (عليه السلام) ، وبالرغم من تجمع ملايين الناس من مختلف الطوائف في مدينة صغيرة (كربلاء المقدسة) لإحياء مناسبة ما يشكل حدثاً فريداً، حيث ليس لمثل هذا الحشد البشري العظيم من مثيل في العالم، لكن هناك مميزات أخرى للحدث الكربلائي جعلت زيارة أربعينية سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) حدثاً أكثر فرادة وأكثر إبهاراً، فلم يذكر تاريخ الأزمان الغابرة والحاضرة أن حب أتباع لإمامهم أو قائدهم دفعهم لأن يقطعوا مئات الكيلومترات سيراً على الأقدام مستصحبين معهم الأهل والعيال لزيارة ضريح (إمامهم المقتول)، فيتركون تجارتهم، ويتقوون على علل أجسادهم، ويغالبون همومهم، ويصارعون الحر القارض والبرد القارص والعواصف والأمطار، ويبذلون الأموال والأرواح غير مبالين لسيوف قطعان القتل والتكفير، وغدرهم الأسود، وسياراتهم المفخخة، وغزواتهم المتوحشة الدامية. والذي يدهش أيضاً في ذلك المشهد الأربعيني في مدينة كربلاء المقدسة اندفاع المحبين الزائرين للبذل والإيثار والعطاء بينما يتملكهم شعور جارف بأنهم لم يقدموا شيئاً لـ (إمامهم المظلوم) الذي قدم لهم كل شيء.
إن النهضة الحسينية حركة إصلاحية شاملة تبدأ بذات الإنسان والمجتمع والدولة ، ومن هنا فإن الشعائر الحسينية إتسمت - غالباً - بسمة الإصلاح والتغيير والتقويم والثورة، فكانت – وما زالت – المجالس الحسينية نقطة إنطلاق نحو تحقيق قيم الإيمان والحرية والعدل والفضيلة. "أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يخرج الأمة من المنكر إلى المعروف، كان يريد أن يضع حداً للمنكر، وأن ينتشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا ، والسكوت على الظلم ، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه وأضرابهم، فأراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد ، ما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه كان يرى أن الدين على وشك أن يُحرف ، فأراد أن يعيد الدين غضا طرياً".